شعار المدونة

شعار المدونة
شعار القمة الشماء

14‏/07‏/2010


نزار قباني
كل عام وأنت حبيبتي


1
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي ..
أقولُها لكِ،
عندما تدقُّ السّاعةُ منتصفَ اللّيلْ
وتغرقُ السّنةُ الماضيةُ في مياهِ أحزاني
كسفينةٍ مصنوعةٍ من الورقْ ..
أقولُها لكِ على طريقتي ..
متجاوزاً كلَّ الطقوسِ الاحتفاليّهْ
التي يمارسُها العالمُ منذ 1975 سنة ..
وكاسراً كلَّ تقاليدِ الفرحِ الكاذب
التي يتمسّكُ بها الناسُ منذ 1975 سنة ..
ورافضاً ..
كلَّ العباراتِ الكلاسيكيّة ..
التي يردّدُها الرجالُ على مسامعِ النساءْ
منذ 1975 سنة ..

2
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي ..
أقولها لكِ بكلِّ بساطهْ ..
كما يقرأُ طفلٌ صلاتهُ قبل النومْ
وكما يقفُ عصفورٌ على سنبلةِ قمحْ ..
فتزدادُ الأزاهيرُ المشغولةُ على ثوبكِ الأبيض ..
زهرةً ..
وتزدادُ المراكبُ المنتظرةُ في ميناءِ عينيكِ ..
مركباً ..
أقولُها لكِ بحرارةٍ ونَزَقْ
كما يضربُ الراقصُ الإسبانيُّ قدمهُ بالأرضْ
فتتشكَّلُ آلافُ الدوائرْ
حولَ محيطِ الكرةِ الأرضيّهْ

3
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي
هذهِ هي الكلماتُ الأربعْ ..
التي سألفُّها بشريطٍ من القصبْ
وأرسلُها إليكِ ليلةَ رأسِ السنهْ
كلُّ البطاقاتِ التي يبيعونَها في المكتباتْ
لا تقولُ ما أريدُه ..
وكلُّ الرسومِ التي عليها ..
من شموعٍ .. وأجراسٍ .. وأشجارٍ .. وكُراتِ ثلجْ ..
وأطفالٍ .. وملائكهْ ..
لا تُناسبُني ..
إنني لا أرتاحُ للبطاقاتِ الجاهزهْ ..
ولا للقصائدِ الجاهزهْ ..
ولا للتمنّياتِ التي برسمِ التصديرْ
فهي كلُّها مطبوعةٌ في باريس، أو لندن، أو أمستردام ..
ومكتوبةٌ بالفرنسية أو الإنكليزية ..
لتصلحَ لكلِّ المناسباتْ
وأنت لستِ امرأة المناسباتْ ..
بل أنتِ المرأةُ التي أحبُّها ..
أنتِ هذا الوجعُ اليوميُّ ..
الذي لا يقالُ ببطاقاتِ المعايَدهْ ..
ولا يقالُ بالحروفِ اللاتينيّهْ ..
ولا يقالُ بالمراسلَهْ ..
وإنما يقالُ عندما تدقُّ السّاعةُ منتصفَ اللّيلْ ..
وتدخلينَ كالسمكةِ إلى مياهي الدافئهْ ..
وتستحمّينَ هناكْ ..
ويسافرُ فمي في غاباتِ شَعركِ الغجريّْ
ويستوطنُ هناكْ ..

4
لأنني أحبُّكِ ..
تدخُلُ السّنةُ الجديدةُ علينا ..
دخولَ المُلوكْ ..
ولأنني أحبُّكِ ..
أحملُ تصريحاً خاصاً من الله ..
بالتجوُّلِ بينَ ملايينِ النجومْ ..

5
لن نشتري هذا العيد شجرهْ
ستكونينَ أنتِ الشجرهْ
وسأعلّقُ عليكِ ..
أمنياتي .. وصلواتي ..
وقناديلَ دموعي ..

6
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي ..
أمنيةٌ أخافُ أن أتمنّاها
حتى لا أُتّهَمَ بالطمعِ أو بالغرور
فكرةٌ أخافُ أن أفكّرَ بها ..
حتى لا يسرقَها الناسُ منّي ..
ويزعموا أنهم أوّلُ من اخترعَ الشِعرْ ..

7
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي ..
كلَّ عامٍ وأنا حبيبُكِ ..
أنا أعرفُ أنني أتمنى أكثرَ مما ينبغي ..
وأحلمُ أكثرَ من الحدِّ المسموحِ به ..
ولكنْ ..
من لهُ الحقُّ أن يحاسبني على أحلامي؟
من يحاسبُ الفقراءْ ؟
إذا حلموا أنهم جلسوا على العرشْ
لمدّةِ خمسِ دقائقْ ؟
من يحاسبُ الصحراءَ إذا توحَّمَتْ على جدولِ ماءْ ؟
هناكَ ثلاثُ حالاتٍ يصبحُ فيها الحلمُ شرعياً :
حالةُ الجنونْ ..
وحالةُ الشِّعرْ ..
وحالةُ التعرُّفِ على امرأةٍ مدهشةٍ مثلكِ ..
وأنا أُعاني - لحسنِ الحظّ -
منَ الحالاتِ الثلاثْ ..

8
اتركي عشيرتكِ ..
واتبعيني إلى مغائري الداخليّهْ
اتركي قبّعةَ الورقْ ..
وموسيقى الجيركْ ..
والملابسَ التنكريّهْ ..
واجلسي معي تحتَ شجرِ البرقْ ..
وعباءةِ الشِّعرِ الزرقاءْ ..
سأغطّيكِ بمعطفي من مطرِ بيروتْ
وسأسقيكِ نبيذاً أحمر ..
من أقبيةِ الرُّهبانْ ..
وسأصنعُ لكِ طبقاً إسبانياً ..
من قواقعِ البحرْ ..
اتبعيني - يا سيّدتي - إلى شوارعِ الحلمِ الخلفيّهْ ..
فلسوفَ أطلعُكِ على قصائدَ لم أقرأها لأحدْ ..
وأفتحُ لكِ حقائبَ دموعي ..
التي لم أفتحها لأحدْ ..
ولسوفَ أحبُّكِ ..
كما لا أحبَّكِ أحدْ ..

9
عندما تدقُّ السّاعةُ الثانيةَ عشرهْ
وتفقدُ الكرةُ الأرضيّةُ توازنَها
ويبدأُ الراقصونَ يفكّرونَ بأقدامهمْ ..
سأنسحبُ إلى داخلِ نفسي ..
وسأسحبكِ معي ..
فأنتِ امرأةٌ لا ترتبطُ بالفرحِ العامْ ..
ولا بالزمنِ العامْ ..
ولا بهذا السّيركِ الكبيرِ الذي يمرُّ أمامَنا ..
ولا بتلكَ الطبولِ الوثنيّةِ التي تُقرعُ حولنا ..
ولا بأقنعةِ الورقِ التي لا يبقى منها في آخرِ اللّيل
سوى رجالٌ من ورقْ ..
ونساءٌ من ورقْ ..

10
آهٍ .. يا سيّدتي
لو كانَ الأمرُ بيدي ..
إذنْ لصنعتُ سنةً لكِ وحدكِ
تفصّلينَ أيّامها كما تريدينْ
وتسندينَ ظهركِ على أسابيعها كما تريدينْ
وتتشمّسينْ ..
وتستحمّينْ ..
وتركضينَ على رمالِ شهورها ..
كما تريدينْ ..
آهٍ .. يا سيّدتي ..
لو كانَ الأمرُ بيدي ..
لأقمتُ عاصمةً لكِ في ضاحيةِ الوقتْ
لا تأخذُ بنظامِ السّاعاتِ الشمسيّةِ والرمليَّهْ
ولا يبدأُ فيها الزمنُ الحقيقيُّ
إلا ..
عندما تأخذُ يدكِ الصغيرةُ قيلولتَها ..
داخلَ يدي ..

11
كلَّ عامٍ .. وأنا متورّطٌ بكِ ..
ومُلاحقٌ بتهمةِ حبّكِ ..
كما السّماءُ مُتّهمةٌ بالزُرقهْ
والعصافيرُ متّهمةٌ بالسّفرْ
والشفةُ متّهمةٌ بالاستدارهْ ...
كلَّ عامٍ وأنا مضروبٌ بزلزالكْ ..
ومبلّلٌ بأمطاركْ ..
ومحفورٌ - كالإناء الصينيّ - بتضاريسِ جسمكْ
كلَّ عامٍ وأنتِ .. لا أدري ماذا أسمّيكِ ..
اختاري أنتِ أسماءكِ ..
كما تختارُ النقطةُ مكانَها على السطرْ
وكما يختارُ المشطُ مكانهُ في طيّاتِ الشِّعرْ ..
وإلى أن تختاري إسمكِ الجديدْ
إسمحي لي أن أناديكِ :
" يا حبيبتي " ...

05‏/07‏/2010

اكون او لا أكون

هجرتني الكلمة اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعيوودعني الاحساس المرهف ادار عني ظهره التعبير الصادق ووقع القلم من بين اناملي وتمزقت أوراقي وخرس لساني وكبتت المشاعر بداخلي،حاولت الصراخ فرفض صوتي الخروج،حاولت البكاء فجفت دموعي
جلست مشلولة في مكاني وكأني صخرة صماء،كيف اعيش دون كلمة بلا احساس ولا تعبير؟
كيف احيا بكماء بلا صوت جامدة بلا دموع أو مشاعر؟
بحثت بداخلي عساي أجد شعلة الامل التي توقد في الحياة من جديد،فأنا لم أقنع بالنهاية ولم أستسلم للهزيمة
فألصقت أوراقي وربطت قلمي بأناملي وجلست امام شمعتي وصرخت بصمت بداخلي
"من انا ؟من أكون؟"
وجدت نفسي عاجزة على رسم صورة لنفسي فعاودت الكرة مرات متعددة لمن دون جدوى كيف اواجه الحقيقة،حقيقة انني لا أعرف من أنا من أكون؟
أأنا مجرد شبح؟ يعيش في الظل يظن انه يحيى بين اناس يحبهم ويتوهم حبهم فهو مجرد شبح مكبل بالموانع القهرية المفروضة عليه
انتفضت من مكاني رافضة لهذه الحقيقة المدمرة رافضة لفكرة الوجود الشبحي
مؤلم ان تظن انك موجود وانت لست كذلك
قد اكون حلما او طيفا نسمة عابرة، أريج زهر يعطر الاجواء، سحابة صيف سرعان ما ترحل،يمامة تحلق في السماء البعيدة
غبية انا لأعطي لنفسي قدرا اكبر من حجمه
غبية أنا لاصدق كذبة اعيشها
الان عرفت من انا ومن اكون؟
انا وردة بلا رائحة
شمس بلا ضوء
بلبل بلا صوت
مراة بلا زجاج
عسل بلا شهد
بحر بلا شاطئ
قلب بلا نبض
عيون بلا نظر
كذبة كبيرة عشتها وصدقتها اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي

04‏/07‏/2010

قهر الحياة

احتل الصمت الغرفة برهة من الزمن قبل ان يتكسر بسؤالها عن أبنائها وعن سبب عدم قدومهم لزيارتها، حاول شريف ان يختلق العديد من الحجج التي اعتبرتها جيهان واهية،فاكتفت بالسؤال عن احوالهم واخبار دراستهم واكتفى هو بطمأنتها وكأنه يهيئها لشيء اخر عاد الصمت من جديد قويا متجبرا وأسدل رداءه على الغرفة لكن اصرار شريف على ان يلقي ما في جعبته جعله يترنح في الغرفة ذهابا وايابا فأدركت جيهان بحدسها ان هناك ما يقلق بال زوجها فحاولت سؤاله لكنه لم يترك لها الفرصة لذلك حيث ارتمى عند قدميها وزخات تسقط من عينيه كأنها قطرات مطر، وضعت يديها الذابلتين على رأسه وتحسست خصلات شعره الرمادي اللون وحاولت ان تهدئه بكلماتها ا لمعسولة لكنه انتفض على سلطة حنانها وصرح لها بكل وقاحة برغبته الاكيدة بالزواج سحبت يديها المرتجفتين من شعره وادارت وجهها هاربة من لقاء عينيه وأسدلت جفونها هاربة من الوحش الواقف امامها

02‏/07‏/2010

قهر الحياة


فتحت عيناها على أشعة الشمس المتسربة لها من النافذة التي فتحتها الممرضة وهي تلقي تحيتها الصباحية والابتسامة تملئ محياها التفتت جيهان نحوها ببطئ شديد فقد انهكها الالم الذي غزا جسدها الجميل بعد ان قامت الممرضة بفحص نبضها وقياس حرارتها وطمئنتها غادرت الغرفة متمنية لها يوما سعيدا
ضحكت جيهان من هذه الكلمة بسخرية شديدة كيف تشعر بالسعادة و الموت يحيط بها من كل جانب
كانت حياتها عادية الى درجة الملل كمئات بل الاف النساء امثالها ،يدورون حول ناعورة الحياة فمرة يسقطون ارضا ومرة يتغلبون على الصعاب والايام تمر بين المنزل والعمل وهموم الاسرة والعائلة وتربية الاولاد لم تفكر يوما فيما تحب جيهان ولا ماذا تريد جيهان فقد كانت مؤمنة ان الدنيا قد انصفتها بالتعليم والزواج وياسر ويسرى فرحة عمرها لم تكن قطا متطلبة بل كانت ترضى بالقليل
تمايلت في فراشها محاولة الجلوس ،فقد سئمت الرقود على السرير وكأنها جثة تنتظر التفت
لم تعاني من اي مرض طيلة حياتها كانت لا تأبه لا بزكام ولا حمى ولا ولا ولا الا لكن القدر يخفي اشياء لم تكن في الحسبان انقطعت افكارها بدخول زوجها الى الغرفة وهو يحمل باقة نرجس ندية قبلها على جبينها ووضع النرجس في مزهرية وجلس الى جانبها دون ان يتلفظ بكلمة

يتبع